الاثنين، 4 يناير 2016

المحكم والمستشار القانوني فهد الفرحان يصرح : ننتظر تشريعاً واضحاً ينظم آليات التعويض ويقلل جولات المتضررين بين أروقة المحاكم

يتحمل بعض المواطنين جولات قضائية طويلة وخسائر فادحة في ظل محدودية ثقافة التعويض داخل أروقة المحاكم والمجتمع كافة، التي يقف خلف أسبابها غياب نظام قضائي لتعويض المتضررين مادياً ومعنوياً، ومع ذلك يكاد يكون التعويض المعنوي ملغى تماماً. 

ويترتب على أي تصرف قانوني أو فعل مادي إدعاء للمطالبة بالتعويض؛ لأن الحياة بطبيعتها في كل عصر وفي كل بيئة عبارة عن صراع ومزاحمة بين الأشخاص، ليُلبى مفهوم التعويض في مجال المسؤولية المدنية إصلاح ما اختل من توازن بحالة المتضرر، عبر إعادة التوازن إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر، فهو يعني بعبارة موجزة جبر الضرر. وللأسف تبقى الثقافة القانونية بشكل عام - وليس فقط في مجال التثقيف من ناحية التعويضات - ضعيفة لدى أفراد المجتمع، ما يتطلب دراسة وبلورة أفكار وبرامج تثقيفية من أجل حصول المتضرريين على حقوقهم، ومن دون تأخير، أو مماطلة. 

باب كبير

يقول محمد الجذلاني - قاضي - إن التعويض نوعان؛ مادي ومعنوي، وإذا قلنا التعويض فلا يدخل فيه الديّات المقدرة في الشرع سواء قتل النفس أو ما يسمى في الفقه ب "الأروش"، وهي نوع من التعويضات المادية التي يحكم بها لصالح من تعرض لاعتداء في جسده أدى لوقوع ضرر جسدي عليه كفقد أحد الحواس، أو وقوع جرح في الجسد، مضيفاً أن التعويض باب كبير وواسع من أبواب الفقه والقضاء وأحكام الضمان، وغالباً يكون المقصود هو التعويض المادي، مبيناً أنه في القضاء السعودي هناك إشكالان في التعويض، أولهما ضعف تقدير التعويض المناسب مادياً، وثانيهما في عدم الاعتراف غالباً بالأضرار المعنوية أو التعويض عنها. 

جبر الضرر

وأوضح فهد الفرحان - مستشار قانوني - أنه ما من تصرف قانوني أو فعل مادي إلاّ ويحتمل أن يترتب عليه أو ينشأ عنه إدعاء للمطالبة بالتعويض؛ لأن الحياة بطبيعتها في كل عصر وفي كل بيئة عبارة عن صراع ومزاحمة بين الأشخاص، مضيفاً أنه يقصد بالتعويض في مجال المسؤولية المدنية إصلاح ما اختل من توازن بحالة المتضرر، بإعادة التوازن إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر، فهو يعني بعبارة موجزة جبر الضرر، مبيناً أنه يشمل التعويض ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع، وبصرف النظر عما إذا كان الضرر متوقعاً أو غير متوقع. 

وأضاف: إن أنواع التعويض حسب الشريعة الاسلامية السمحة ثلاثة: العيني: وهو الوفاء بالتزام، أو إعادة الشيء المتضرر إلى ما كان عليه، الثاني وهو غير النقدي فإذا تعذر التنفيذ العيني فيحكم القاضي بالتعويض ولكن ليس بالضرورة أن يحكم بالنقد، بل يجوز له أن يحكم بأن يُدفع للدائن سند، أو سهم تنتقل إليه ملكيته ويستولي على ريعه تعويضاً له عن الضرر الذي أصابه، والثالث النقدي وهو التعويض الذي يغلب الحكم به في دعاوى المسؤولية التقصيرية، فإن كل ضرر حتى الضرر الأدبي يمكن تقويمه بالنقد وهو الأصل. 

تحديث الأنظمة

وأكد الفرحان أن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية له تأثير في الأحكام القضائية، حيث صدر قرار مجلس الوزراء رقم (66) وتاريخ 17/3/1421ه القاضي بأن تقوم جميع الأجهزة الحكومية بمراجعة جميع الأنظمة ذات العلاقة بما يتفق مع ما يقتضيه انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، ورفع ما يتم التوصل إليه لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة، وكذلك إعداد الدراسات التي تبين المكاسب والتكاليف المترتبة على الانضمام، والتهيئة لمرحلة ما بعد الانضمام، مضيفاً أن القرار نص على تشكيل لجنة فرعية للتحضير للجنة الوزارية المكلفة بمهمة متابعة جميع ما يتخذ من قرارات، وما يرسم من سياسات وقواعد في النظام التجاري العالمي، وذلك بالقيام بمراجعة مستمرة لما يتم التوصل إليه من قبل فريق التفاوض السعودي، مبيناً أنه بناء على ذلك فقد حُدّثت بعض الأنظمة الموجودة استجابة لشروط المنظمة ومنها على سبيل المثال: نظام العلامات التجارية ونظام حق المؤلف ونظام براءة الاختراع، كما استحدثت أنظمة لم تكن موجودة بالأصل مثل نظام الأسرار التجارية، والاستثمار الأجنبي، وهذه الأنظمة استحدثت قبل التوقيع النهائي لانضمام المملكة إلى المنظمة، لكنها تمت متطلبات واستعدادا للانضمام، ذاكراً أنه صدر مرسوم بإعادة هيكلة القضاء بشكل جذري ومع ما فيه من إيجابيات إدارية وتنظيمية إلاّ أنه استثنيت فيه مزيد من اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي من القضاء الشرعي مثل، نظام الاستثمار الأجنبي والتأمين وسوق المال، إضافةً إلى اللجان السابقة. 

وأضاف: تم اتخاذ كل تدابير الحيطة من حيث المراجعة القانونية والشرعية في تطوير النصوص والأحكام وتطوير مخرجاتها بشكل دقيق ومناسب لمصادر التشريع في المملكة، مع بنود اتفاقية التجارة العالمية الحرة لكي لا يحدث أي تناقض أو تباين مخل. 

فهم خاطئ

وشرح الجذلاني سبب ضعف هذه الثقافة الذي يرتبط بفهم الشريعة ومقاصدها، إذ ترجع المشكلة إلى سبب واحد أساسي وهو الضعف الكبير في فهم أحكام الشريعة الاسلامية ومبادئها ومقاصدها العظيمة، فيظن كثيرون أن الشريعة الاسلامية تعارض التعويض إلاّ أن هناك أحكام وقواعد شرعية يكون الخطأ في فهمها وتطبيقها، وكذلك في التعويض عن مماطلة المدين وعدم سداده للدين الذي في ذمته إلاّ بعد اضطرار الدائن لمقاضاته وإضاعة المزيد من الوقت للحصول على حقه، مضيفاً أنه يمكن التفريق بين المدين المعسر غير القادر وبين المدين القادر المليء الذي امتنع عن سداد الدين عناداً ومكابرة ومماطلة، فهذا الأخير يستحق تعزيره ومعاقبته لكن هل يمكن تعزيره بالمال أم لا؟، مُشدداً على أهمية التفريق بين الدائن الذي باشر رفع الدعوى بنفسه ولم يحتج إلى سفر ولا لمحامي؛ لأن التقاضي عندنا مجاني، وبين الدائن الذي اضطر لتوكيل محام أو السفر من مدينة إلى مدينة لرفع الدعوى، مشيراً إلى أن الذين يرون أن التعويض جزء من الربا يقصدون بذلك الحكم على المدين بمبلغ إضافي أكثر من الدين وذلك لصالح الدائن تعويضاً عن تأخر المدين في السداد لمدة طويلة، فيكون التعويض مقابل المدة. 

اعتذار واستحلال

وقال الفرحان: يوجد في الفقه الإسلامي بجانب العقوبات والتعويض المالي أنواع أخرى لعلاج الضرر مثل الاعتذار والاستحلال، ورد الاعتبار من خلال الإقرار بالخطأ علناً، وتكذيب الشخص الشاتم نفسه بأن ما قاله غير صحيح إن كان علناً فعلاً، وإلاّ فبينه وبين الله تعالى من خلال التوبة والدعاء للشخص المشتوم والاستغفار له وهذا خاص بالفقه الإسلامي، فمثلاً ذهب جماعة من الفقهاء إلى وجوب الاستحلال في الغيبة ونحوها، مستندين بالحديث الصحيح القائل: "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"، مضيفاً أنه ذكر الفقهاء أيضاً مسألة الإقرار بالخطأ وهي إن كانت من الجاني نفسه فهو من باب الاعتبار والإصلاح المطلوب في هذا الباب المذكور في القرآن الكريم بخصوص القذف حيث قال تعالى: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلاّ الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"، حيث اشترط الإصلاح، ولم يكتف بالتوبة فقط. 

معيار موضوعي

وأوضح الفرحان أن المصطلحات الفقهية فرقت بين نوعين من التعويضات المالية، هما التعويضات الناتجة عن فعل جنائي، والتعويضات الناتجة عن عمل مدني أو جنائي، حيث خصص الفقه الإسلامي ثلاثة مصطلحات وهي الديّات، التي حددها الشرع عند الاعتداء على النفس، أو الأعضاء، أو القوى والأجهزة الخاصة بالإنسان، مضيفاً أن القصد من ذلك ما ثبت بدليل صحيح صريح، أمّا عدا ذلك من الاجتهادات فهو محل رد وبدل حسب الأدلة والمقاصد والمصالح، وحسب رعاية تغير الفتاوى بتغير الزمان والمكان، مبيناً أن باب الديّات يحتاج إلى تمحيص فلا ندخل فيه إلاّ ما ثبت في الكتاب أو السنة، أو الإجماع الصريح الصحيح، ذاكراً أن هناك مصطلحين هما الأرش والحكومة، وكلاهما يخضعان لاجتهاد الخبراء، وبالتالي فلا مانع من إدخال الضرر المعنوي في التقدير والتقييم من دون إفراط ولا تفريط، مؤكداً أن الإشكالية في احتساب الضرر المعنوي مع الديّات حيث إنها مقدرة، فهل تعد هذه الإضافة معها مخالفة للنص؟، هذا ما يحتاج إلى اجتهاد مؤصل، ذاكراً أن الفقه الإسلامي خصص للتعويضات الناتجة عن فعل جنائي أو غير جنائي مصطلحين شاملين هما الرد بالمثل، والرد بالقيمي، أي قاعدة المثلي والقيمي في التعويضات. 

وأشار إلى أن الفقه الإسلامي اعتمد على معيار موضوعي مرن لدى التعويض، وهذا دليل راسخ لصلاح الشريعة الاسلامية لكل زمان ومكان من خلال أن هذه القاعدة ليست جامدة على أن كل مثلي يجب أن يرد بالمثل من دون استثناء، ولا أن كل قيمي يرد بالقيمة من دون استثناء، وإنما معيارهما العدل فقط، وتحقيق المصالح، ودرء المفاسد، وبالتالي فهما يستوعبان كل ما ذكر في الفقه المدني وزيادة، ومع ذلك فلا خلاف في استعمال هذه المصطلحات القانونية، ولا حرج فيها من حيث منظور أغلب الشرعيين، إذ إنه لا مشاحة فيها، ولا قدسية لها. 

جرائم المعلوماتية

وذكر الفرحان أن هناك اهتماما للمشرع السعودي بتنظيم كل المستجدات العصرية الجديدة خصوصاً في جرائم المعلوماتية، لهذا صدر نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، وهو نظام موضوعي يعنى بتجريم ومعاقبة مرتكب القذف الإلكتروني، وأن إجراءات رفع الشكوى المتعلقة بأي جريمة معلوماتية لا تخرج عن النظام الإجرائي المعني بمعالجة جميع الدعاوى الجزائية في جميع مراحلها، وهو نظام الإجراءات الجزائية الصادر بمرسوم ملكي، مضيفاً أن تعريف الجريمة المعلوماتية في "نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية جاء كالتالي: 

"أي فعل يرتكب متضمنا استخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية بالمخالفة لأحكام النظام"، مبيناً أن المادة الثالثة من هذا النظام تنص على عقوبة السجن لمدة لا تزيد عن سنة وغرامة لا تزيد عن (500) ألف ريال لمن يثبت عليه التنصت على ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية دون مسوغ نظامي صحيح، أو التهديد والابتزاز، أو الدخول غير المشروع إلى أي موقع إلكتروني وذلك لإحداث أي تغيير فيه أو إتلافه، أو المساس بالحياة الخاصة أو التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم، ذاكراً أنه تنص المادة السادسة من النظام على أن من ينتج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة فيعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، مشيراً إلى أن هناك تنازلا لكثيرين عن قضايا التعويض، بسبب عدم احتساب وتقدير تكلفة التقاضي وأتعاب المحاماة وضياع الجهد وذهاب وقت من طرف هيئة القضاء الموقر، ما يجعل الدائن في أسوأ حالات الضغط النفسي التي تجعله يصل إلى طريق مسدود اعتقادا منه أن ترك القضية أفضل بكثير من المضي بها قدماً، مطالباً بوجود تشريع واضح وصريح ينظم سبل التعويض بشكل سريع ومحسوب.

المجتمع بحاجة لتوعية قانونية

أكد فهد الفرحان على أنه مازال الاعلام السعودي الرسمي وغير الرسمي مقصرا في نشر الثقافة القانونية بشكل عام وليس فقط في مجال التثقيف من ناحية التعويضات بشكل قانوني، متمنياً من وزارة الإعلام أن تضع هذا الأمر محل اهتمامها في دراسة وبلورة أفكار وبرامج تثقيفية للمواطن وللمحامي وللقاضي على حد سواء.

وقال: إنه حان الوقت أن نظهر للعالم ما مدى قوة وسماحة شريعتنا الغراء التي أبهرت العالم عبر عصور والي يومنا هذا، مُشدداً على أهمية طرح برنامج قانوني بحت يتناول الجانب التثقيفي لكافة شرائح المجتمع، وليس كما نشاهد في بعض البرامج ذات الطابع الهزلي -من وجهة نظره- الذي تمارسه بعض القنوات موحيةً أنه برنامج قانوني وهو لا يمت للقانون والتثقيف بأي صلة، والدليل أنهم لا يتجرؤون على دعوة القانونيين المشار لهم بالبنان.

لا تقدير مالياً في المحاكم عن الضرر المعنوي!

اوضح فهد الفرحان أن التعويضات عن الأضرار المعنوية ليس لها تقدير مالي في المحاكم، وهي الآن موضع دراسة وتقدير من المشرع فيما يتعلق بالتأخر في سداد الدين المالي، مبيناً أن السب والشتم المعمول به الاكتفاء بتعزير المحكوم عليه، متوقعاً صدور نظام يقّوم هذه الأضرار المعنوية بتعويض مالي تقدره جهة مختصة جراء ما تعرض له المتضرر من أضرار بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.

وتساءل: هل التعويض ثقافة فقط أم أنه مطلب شرعي حثت عليه الشريعة الإسلامية وكذلك لوائح الأنظمة في حالة التعرض للضرر والأذى بمختلف أنواعه؟، وهل أسهمت جهات الاختصاص ذات العلاقة في نشر التوعية المجتمعية مع التعريف بالحقوق والأنظمة من خلال برامج مدروسة وممنهجة لتوعية المواطن؟.

وقال: إن القضاء في الشريعة الإسلاميّة لا يعطي عوضاً عن الضرر المعنويّ والأخلاقي، إلاّ أنّ المبادئ الإنسانيّة، التي دعا إليها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم تنصّ على أن يؤتى كلّ ذي حقّ حقّه دون مطل أو ظلم حتى لو كان ذمياً، متسائلاً: هل سنشهد في القريب العاجل صدور قوانين تضع الأمور في نصابها كسائر دول الجوار التي تغلبت على هذه العقبة منذ سنين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق